أخطاء وقع فيها المجتمع العلمي ، ما زال العالم عالما، حتى إذا قال علمت فقد جهل وده لأن المجتمع العلمي على مر التاريخ ارتكب أخطاء كبيرة جدا ومعتقدات كتير كان يجزم إنها واقع وحقيقة والنهارده يعتبرها علم زائف .
البروفيسور Naomi Oreeskes ، أستاذة التاريخ والعلوم في جامعة هارفرد قالت في مقال نشرته السنة اللي فاتت ، إذا قلت أن العلم صحيح فأنت مخطئ لأن العلم لا يقدم لنا الحقيقة المطلقة ،ولكنه يجعلنا قريبين منها.
وبتقول كمان إنه من أكثر التصرفات الشائعة في المجتمع العلمي ، هو العجرفة والإصرار إن النتائج الحالية اللي وصلها صحيحة وأي حد ينكرها يبقى جاهل وده مش صح على حد تعبيرها ، وهشرحلك دلوقتي ليه ؟!
عندك مثلا في أول القرن ال19 كانت موجودة نظرية اسمها الأرض المتمددة أو The Expanding Earth النظرية دي بتقول إن السبب في تكوين سلاسل الجبال في قاع البحار والمحيطات والسبب في ظاهرة الانجراف القاري ،هو إن كوكب الأرض يتمدد على مدار الزمن وحجمه بيزيد.
ولك أن تتخيل العلماء اللي كانوا متبنيين الفكرة دي كان منهم نيكولا تسلا وتشارلز داروين صاحب نظرية التطور المعروفة ، ومع بدايات القرن ال20 وبعد مرور قرن تقريبا اكتشف المجتمع العلمي إن نظرية الأرض المتمددة مش صحيحة .
وإن السبب في الانجراف القاري هو الصفائح التكتونية الصخرية إللي بتتحرك بمرور السنين، وبتسبب التشكيلات اللي بنشوفها في قاع البحر ،وكمان بتسبب ابتعاد القارات عن بعضها واللي أثبت ده هو العالم Harry Hess وسماها نظرية تمدد قاع البحر أو seafloor spreading.
ده غير إنه علماء الفيزياء في بداية القرن ال20 كانوا يتعاملوا بتعالي وعجرفة على باقي الناس ومقتنعين تماما إن ما فيش أي حاجة جديدة ممكن يكتشفوها في الفيزياء لأنهم ما كانوش عارفين اللي هيحصل بعد كده لأن فجأة حصلت تطورات مذهلة غيرت نظرتهم ونظرة العالم كله عن الفيزياء .
لأن مع بداية القرن ال20 ظهر علماء زي max planck وأينشتاين واكتشفوا إن الفيزياء الكلاسيكية تفسير الجاذبية الأرضية بشكل غلط ولما نطبق قوانينها على الأجسام متناهية الصغر زي الأجسام الذرية والأجسام اللي سرعتها بتقرب من سرعة الضوء بتكون نتائجها ناقصة وغير منطقية.
ومن هنا ظهر نوع جديد من الفيزياء اسمه الفيزياء الحديثة، وبرغم إن الفيزياء الحديثة أفكارها كانت ثورية وغريبة لكنها كانت قادرة تفصل كل الظواهر اللي بتحصل في الكون تقريبا .
وفي نصف القرن ال20 بدأ علماء الفيزياء الكلاسيكية يقتنعوا إنهم كانوا غلط، ولك أن تتخيل إن أينشتاين نفسه أخطأ في جزء من الفيزياء الحديثة اسمه ميكانيكا الكم لأن كان في ظاهرة معينة قال إنها بتحصل بسبب متغيرات خفية وفى سنة 2022 قدر ثلاثة علماء يفوز بجائزة نوبل في الفيزياء لأنهم أثبتوا خط أينشتاين .
في مصطلح متغيرات خفية قدروا يفسروا سبب الظاهرة بشكل منطقي ،وأخطاء المجتمع العلمي ماكنتش بس في الفيزياء والجيولوجيا دي كمان وصلت لعلوم الفضاء لحد القرن ال17 علماء الفلك كانوا مقتنعين تماما إن الأرض مركز النظام الفلكي اللي هي موجودة فيه وإن كل الكواكب والأجرام المحيطة بيها تدور حول الأرض بما فيهم الشمس نفسها.
ومع بداية القرن ال17 قدر العالم الإيطالي Galileo إنه يصمم تلسكوب خاص به ويراقب حركة الكواكب والنجوم واكتشف إن الكواكب دي بتدور حوالين الشمس مش الأرض معنى كدا إن الشمس هي مركز النظام الفلكي اللي بيضم الأرض.
وبعد ما نشر أفكاره اتهموه بالجنون لأن أفكاره عن مركزية الشمس كانت بتخالف التعليم المنتشرة في الوقت ده وحكموا عليه بالإقامة الجبرية ومنع طبع أو نشر أي كتب أو أفكار علمية بتتكم عن مركزية الشمس.
دلوقتي العالم كله يعترف بفضل جاليليو اللي بدأ حجر الأساس في فهمنا الصحيح لمجموعتنا الشمسية ،وفي سنة 1859 عالم الفلك الفرنسي Urbain Le Verrier لاحظ إن مدار كوكب عطارد غريب وحركته مش متوافقة مع قوانين الفيزياء.
وكان تفسير إن في كوكب ثاني واقع بين عطارد والشمس جاذبيته هي اللي بتأثر على حركة كوكب عطارد وسمى الكوكب ده فولكان وبما إنه قبلها كان عنده إنجاز كبير وقدر يتنبأ بموقع كوكب نبتن ،فالمجتمع العلمي خد كلامه بكل ثقه واعتمدوا إن فيه كوكب اسمه فولكان موجود بين عطارد والشمس.
لكن بعدها أينشتاين قدر يثبت إن كوكب عطارد حركته منطقية طبقا لحسابات الفيزياء الحديثة وإن كوكب فولكان اللي اقتنع به المجتمع العلمي الأكثر من 50 سنة مالوش وجود من الأساس.
ومن الحاجات العبثية اللي حصلت في الوقت ده إن في بعض الناس كانوا مقتنعين تماما إنهم يشوفوا الكوكب ده في أوقات الكسوف الكلي للشمس، ودي مش أغرب فكرة علمية يقتنع بها العالم لفترة وبعدها يكتشفوا إنها غلط سنة 1877 عالم الفلك الإيطالي Giovanni Schiaparelli ،اكتشف قنوات مائية على سطح كوكب المريخ.
سماها The Martian Canals وبدأ علماء فلك غيره يأكدوا نفس النظرية و إنهم رصدوا نفس القنوات على سطح المريخ لدرجة إن في علماء بدأوا يرسمون خرائط كاملة لقنوات المريخ ، وبدأوا يقدمون تفسيرات لوجود القنوات دي واحدة من التفسيرات دي قدمها العالم الأمريكي Percival Lowell .
قال فيها أن القنوات دي كانت نظام ري ذكي ومتطور ونشر كتاب كامل سنة 1906 اسمه Mars and Canals ،والمجتمع العلمي عاش سنين طويلة مقتنع إن المريخ عليه قنوات مائية لكن في العصر الحديث ومع ظهور التلسكوبات الدقيقة اكتشفوا إن القنوات دي مجرد خداع بصري ،بسبب الغبار المتطاير على سطح كوكب المريخ ،والتفسير اللي اقتنعوا بها لسنين طويلة.
اكتشفنا في النهاية إنه مجرد وهم بصري وتفسير خاطئ والتفسيرات الخاطئة دي وصلت كمان لتحليل شخصيات البشر وتصنفهم مع بداية القرن ال19 العالم الألماني Franz Joseph Gall خرج بعلم جديد وهو علم فراسة الدماغ .
اللي معناه تحليل السمات العقلية والشخصية للبشر عن طريق شكل الجمجمة وبدأ يقوم بدراسات على أصدقائه وعلى نزلاء السجون والملاجئ، وقال إن في علاقة بين شكل الجمجمة والصفات الإجرامية وظهر بعدها علماء غيره تبنوا نفس النظرية كان أشهرهم العالم الألماني Johann Spurzheim .
اللي سمى العلم ده علم فراسة الدماغ بدأ يسافر عشان ينشر العلم ده وألقى محاضرات في جامعات زي هارفرد وYle وانتشر العلم ده في أمريكا وفي أوروبا كلها لدرجة إنه Spurzheim لما مات المجلة العلمية بأمريكا The American Journal Of Medical Sciences .
قالت مات النبي ولكن رسالته على عاتقنا و دلوقتي المجتمع العلمي يعتبر النظرية دي علم زائف بعد ما كان مقتنع من سنين إنها حقيقة واحدة من أكبر الأخطاء اللي ارتكبها المجتمع العلمي وقع فيها واحد من أهم الأطباء في تاريخ البشرية وهو دكتور James Marion Sims .
الأب الروحي لتخصص النساء والتوليد واللي كان مقتنع إن الأفارقة ما عندهم إحساس بالألم زينا وكان بيعمل تجاربه على نساء افارقا من غير بينج ،لأنه وقتها ما كان لسه اكتشفوا البنج لدرجة إنه جرب تلاتين عملية جراحية من غير تخدير على بنت أفرقيه اسمها أناركا عمرها 17 سنة .
بروفيسور نيوم يوري بتقول إن جهودنا لفهم العالم من حوالينا هي مجرد اجتهادات وارد تبقى صح ، و وارد جدا تبقى غلط، لكن المهم إننا نفضل في رحلة بحث مستمرة من غير ما نحتكر الفكر ،والمعرفة والبحث ،ونحجر على أفكار غيرنا لمجرد إنها مش على مزاجنا.